دركي بعكس السير


في يوم من أيام الحرّ الشديد الذي يخترق الأجواء اللبنانية في فترات الصيف، كنت سائراً في إحدى شوارع الحمرا في بيروت و العرق يتصبب عن جبيني، متململاً متعكّر المزاج، قاضب الحاجبين، جلّ ما أريد هو أن أصل إلى بيتي في ضواحي المتن لكي أتناول الغذاء وأنام قليلاً لأنزع عن منكابيّ ضجيج النهار وحافلته رغم إن الضجيج لا ينقطع حتى داخل جدران منزلي.
و إذ، على مقربة من  كنيسة السيدة في وسط شارع المكحول، منظراً مألوفاً متميّزاً يُستَعرض أمام مقلتيّ. لعلها اشارة من الله ليبعث في قلبي القليل من الإبتهاج، لإني لطالما كنت ميّالاً الى الترسيم الفكاهي خصوصاً للمناظر الأكثر دراماتيكيّة. ما أَلفَ من هذا المنظر هي الدراجة النارية الآتية بعكس السير، متّجهة نحو شارع عبد العزيز بالرغم من التميّز وسخرية هذا الحدث كون سائق الدراجة هو شرطي سير، غير أن هذه الحالة ما زالت تحتفظ في بلدنا الحبيب صفة "المألوف".
سأشرح لكم ما رأيت بإسهاب لعليّ أبرز لكم السبب الذي جعلني مبتهج لما تبقى من نهاري في حين، فشل أغلى الناس على قلبي 
منحي هذا الشعور:





شرطي في العقد الثالث من العمر مربوع القامة مكتنز الجثة يقود أصغر أنواع الدراجات. للوهلة الأولى تظنه يمارس على هذه الآلة
 أشنع أنواع الإغتصاب، نظراً لضخامة حجمه و صغر حجمها، وبلفعل من الممكن أن تكون عملية الإغتصاب قد تمت، فما بدا لي ان الدراجة كانت ترزح مصدرتاً ضجيجاً مخيفاً و الدخان الأبيض يتراقص وراء كلاهما محجباً النظر عن بقيّة الشارع. غير ان الفكاهة ما لبست إن بدأت،  فلقد دفعني الفضول الى التمعن بالعين الساهرة على أمن هذا البلد، لقد كان الأمر ملفتاً. نظاميً، بلا شك، في كامل لباسه الرسمي، حتى القبعة الزرقاء يحتفظ بها على رأسها، طبعاً بطريقة مضحكة. حتى ذلك الوقت لم أكن اعرف بأن الحذاء الرسمي للشرطة قد تغيّر ليصبح حذاء تريّض أبيض اللون، متناسقاً متكاملاً مع ألوان اللباس الرسميّ. ففي بادىء الأمر ظلمته. كما أني لم أكن أعرف بأنه سيكون المسؤول عن توزيع الهدايا في الثكنة بمناسبة عيد الميلاد وقد بدأ منذ الآن بإعفاء ذقنه من الحلاقة، فظلمته أيضاً. كما إنني لم أكن على علم بأن الدولة اللبنانية تستخدم عناصرها للتشجيع على عدم التدخين، كأن تقول: "إذا دخنت بيتسير متلو" فظلمته أيضاً و أيضاً.











ولكن، ما زلت مصراً إن من الغير الجائز بأن يعلّق بندقيّته على ظهره مثل مقاتل النينجا، ويتنقل بكل إستهتار بين المدنيين معلقاً في فمه سيجارة، منتزعاً عن لباسه الرسمي كل قيمة وكل شرف وكل احترام، ملوثاً بآليته الشمطاء أينما اتجه، هذا وكله، مخالفاً أبسط قواعد السير التي من المفترض فيه بالدرجة الاولى التمثل بها.












هذا الشرطي، هو لمحة عن العقلية السائدة ليس فقط عند المنتمين الى السلك العام، إنما عند كل اللبنانييّن. فلقد كان مروره في الشارع بهذا الشكل، الشيء الأكثر طبيعية في العالم بالنسبة اليه و الى معظم من رآه. لم يسترعي انتباه أحد شذوذاً او خروجاً عن الأصول. أنا فقط وقفت في وسط الشارع أنظر الى ما أنظر، معلقاً على منكابيّ حقيبة حيث أضع حاجاتي. اعتراني موجتاً من الضحك الصاخب حتى اني لفت نظر الأخ المناضل. لا أدري لماذا لم يحرر بي مخالفة، رغم اني لم اكن أضع حزام. على الأرجح، أنا من كان الأكثر  غرابتاً في شارع المكحول ذاك النهار. شاب في وسط الشارع يضحك من دون حزام (مئشوط يعني بالدارج) وخارجاً عن أصول الأداب العامة!! 


Comments

Popular posts from this blog

The New York Times sues OpenAI & Mircosoft

The Story of a fishermen, a frog and a Snake